دير الرُّصافة

   دير بالشام قرب رُصافة هشام بن عبد الملك، حكي أنّ أبا نوّاس مرَّ به فبات فيه، ولمّا رحل عنه قال:

 ليس إلّا  دير الرُّصافة ديرٌ         فيه ما تشتهي النفوس وتهوى

 بتَّــــه ليلةً فقضيت أوطــا        ري ويومًــا ملأت قُطريه لَهـــوا

   وحكى ابن حمدون أنّ المتوكّل لمّا أتى دمشق، ركب يومًا إلى رصافة هشام يزور دوره وقصوره، ثمّ خرج فأتى الدير، وهو من بناء الرّوم، حسن البناء بين مزارع وأنهار، فبينما هو يدور إذ بَصُر برقعةٍ قد ألصقت في صدره، فأمر بأن تقلع ويؤتى بها، وإذا فيها:

 أيـــا منزلًا بالدير أصبح خاليًا           تلاعـــب فيه شمألٌ ودبور

 كأنّك لم تسكنك بيضٌ أو أنسٌ         ولم تتبختر في فنائك حور

 وأبناء أملاك عباشم1 ســــادةٌ         أصاغرها عند الأنام كبــيـــر

 إذا لبسوا أدراعهم فضـرا غمٌ         وإن لبسوا تيجانــهم فـــبدور

 ليالي هشامٍ بالرصافة قاطــنٌ         وفيك ابنه يا دير وهو أميــر

 إذِ العيش غضّ والخلافة لدنةٌ       وأنت طرير والزمان غريــــــر

 وروضك فنيانٌ يذوب نضــارة       وعيش بني مروان فيك نضير

 رويدك إنّ اليوم يتـــبعه غـــد       وإنّ صـــروف الدائرات تـــدور

   فلمّا قرأها المتوكّل ارتاع وتطيّر وقال: أعوذ بالله من شرّ أقداره.

   ثمّ دعا بالديراني وقال:

- من كتب هذا؟

قال: والله لا أدري، لأنّي منذ نزل أمير المؤمنين هنا لا أملك من أمور هذا الدير شيئًا، يدخله الجند والشاكريّة، وغاية قدرتي أنّي متوارٍ في قلّايتي2.

   فهمّ بضرب عنقه وإخراب الدير، فلم يزل به الفتح بن خاقان حتّى ظهر أنّ الذي كتبها رجل من ولد روح بن زنباع صاحب عبد الملك وأمّه مولاة لهشام.

                              مسالك الأبصار الجزء الأوّل

                                       (ص 332)


1- عباشم: من عبد الشمس.

2 - قلّايتي: مسكن الأسقف.